الخميس، 21 أكتوبر 2010

تــــوأمـــة

كانت ليلة شديدة البرد غزيرة المطر في منتصف ديسمبر من عام 1995م ويومها كنت محتفلاً بقصيدتي التي أنجبتها في الفصل المدرسي .. كانت مفاجأة .. كل من قرأها تأملي في عدم تصديق وكأنني لص تم ضبطته بالجرم المشهود ولكنها لم تكن مقتبسة أو منقولة إلا من مخيلتي إلى الورق ..
بقيت قرابة الساعة أتأمل القصيدة في ذهول وكوب الشاي لا يفارق أصابعي .. ومع كل رشفة كنت أبحث بين السطور عن السبب ..!!
وهنا قفزت إلى ذهني صورة مجنونة لسيدة كستنائية الشعر مريحة الملامح شاحبة النظرات في كسل مثير .. وابتسمت في جذل .. هذه هي .. أجل
هنا مربط الفرس كما يقولون .. تلك الابتسامة المخملية .. والأنوثة العربية الشامية .. لست أدري مالذي دفعني إلى تصورها شامية .. ربما كثرة المسلسلات الشامية أيامها وربما لأننا كعرب نميل كثيرا إلى المرأة الشامية ( تقبرني ) وما إلى ذلك من ألفاظها وتعابيرها حين تخاطب رجلاً تحبه .. وبقيت تلك الصورة ترزح في داخلي وتصنع مزاجي في كل علاقة مع كل مغامرة وخلال كل لحظات عابره أو مقيمة تحت الأضلاع ..
ومع السنوات كنت أضيف لها من حصاد تجربتي الأزياء ثم المزاج وتدريجيا العيون والكحل ولون الشفتين وتقوس الحاجبين .. وهكذا وكما يقوم الطفل بتحويل خربشاته إلى تفاحة حمراء أو سيارة بيضاء كنت انسجها داخل تفكيري في قوقعة من الذات الملكية التي لا تليق إلا بها .. وأصبحت مرة حورية بحر .. ثم راقصة ملهى .. وبعدها معلمتي في المدرسة .. كانت بدون أدنى مبالغة في كل فانتازيا عشتها واقتبستها .. ومع الخذلان في تجارب الواقع وبعد سقوط الكثير من الأقنعة التي ترسم درب الحب على منديل المسجد الأحمر في غرفة عابقة بالمجون كنت أتفقدها ثم أفقدها .. وبدأت هي تنهض مع كل تجربة وتكتسي جمالاً تحتكره هي وحدها .. حتى جاء عام 2006م وكان الميلاد لصورة رمزية في احد المنتديات
رسمة .. ويالها من رسمة .. كانت كستناء بدون تردد .. عنفوانها صادق .. بل محرق .. يدمر الأعصاب بالقنبلة الهيدروجينية في لمحة بصر .. ولا يبقي ولا يذر .. كانت خلف ذلك المعرف كاريزما من نوع آخر .. بساطة ذات رداء حريري .. وقيثارة لا تعزف إلا لأذن صماء في ضجيج الواقع .. وهنا أصبح ذلك المعرف هاجسي وبدأت أطارده في جنون وشغف طفولي تملكني وبعثرني ..
ثم حالت الظروف بيني وبين ذلك المعرف وتداخلت الأيام ليأتي عام 2009م وأجد فرصتي الذهبية على الفيس بوك وهنا كان لابد من أن أنفض عني تراب هزيمتي الأولى وأن أبسط رغبتي في التعارف لذلك المعرف وتلك الشخصية الكستنائية
كانت الكستناء الوليدة في شجرتي الخيالية العتيدة .. وقبلت بعد أن أجبرتني على وضع بصمتي على ميثاق غليظ أنه لا حب هنا .. ولا شيء غير الصداقة .. ومكرهاً قبلت على مضض .. وهنا بدأت .. وهنا خسرت .. وهنا أيضاً كانت دهشتي أكبر من مخيلتي نفسها .. فهي حقا ترتدي البساطة فستان سهرة من الدانتيل .. وتنتعل البذخ في مزاج طفولي يتقافز على جناح حمامة راقصة وتتزين بروح ذات إيقاع إسباني مروع يدق شغاف القلوب .. مذهلة
طبعا سأخبركم سراً هنا .. فرغم قلمي وانتصاب أبجديتي إلا أنني أعجز ببساطة عن أن أكتبها رغم محاولاتي .. وبقي البارون هو سيد الموقف حتى تلك اللحظات التي كانت هي تندفع بجنون وجذل لتضحك من قلبها وتشاركني فرحتها .. بل وحتى بؤسها وحزنها عندما تحتفل وتفرح وتتذكرني في غمرة الفرح فترفع هاتفها لتتصل بي ثم عبوسها عندما لا أجيب .. بل وصلت بي الأمور إلى تذوق عصبيتها ودغدغتها بعمق عندما تغضب فأكون على دقة وتر من ابتسامته حتى لو كانت في قمة حزنها .. بل والأدهى من ذلك .. أنها تشتاق لي .. وتفتقدني .. وأنا الذي أفتقدها منذ أن أنجبتها من مهجتي في تلك الليلة في عام 1995م ..
وهنا كان لابد لعبيد أن يتحرك ويلوم البارون ويسأله في عجب عن سر عدم تصريحه فيقول البارون صرحت إنما على شكل دعابة .. وكتبت إنما في باقة صداقة .. فيبتسم عبيد في دهاء ليقول .. أوليست هي كستناء ؟!!
فيبتسم البارون في خجل .. في حرج يتمتم .. أجل ..
هنا يكتب عبيد اسمها على ورقة نعاس وتنام الفكرة في مهدها بمجرد العثور على صك القانون الأغبر .. ميثاق الصداقة ..
ربما كانت هذه طفولة مني .. أو حتى ستعتبرها كستناء .. مجرد غباء .. إنما وكما يقول إبن القيم .. فالأرواح هي التي تشتهي اللقاء ..
ويحاول البارون الهرب .. ويعجز ببساطة .. فلا المطية تساعد ولا القلب يهوى السفر .. ويبقى عبيد في المنتصف .. يرسل إلى ليمون عينيها الياسمين .. وينقش على رحيق ابتسامتها وشم الحنين .. ولا يزال البحث جارياً عن قصة تكفل حقوق النشر وتأبى ضياع العمر .. ولا يزال البارون مطلوب الرأس في كل وزارات الدولة وقصور الشاهنجان .. وحانات دمشق لأنه أخل بما صدر من جلالة كستناء النساء .. بأن الحب ممنوع بين الأصدقاء ..  

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق